منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة *مؤتمر العدل… توصيات كبيرة في مواجهة واقع معقد*

0

زاوية خاصة

 

نايلة علي محمد الخليفة

 

*مؤتمر العدل… توصيات كبيرة في مواجهة واقع معقد*

خرج مؤتمر العدل وسيادة حكم القانون في كسلا بـ(١٠٦) توصية ، بدا أغلبها طموحًا ومباشرًا في ملامسة جذور الأزمة القانونية في البلاد ، ورغم أن التوصيات في ظاهرها ، تشكّل خارطة طريق حقيقية لإصلاح المنظومة العدلية ، إلا أنّ إسقاطها على الواقع السوداني يكشف حجم التحديات التي تعترض طريقها قبل التحول إلى واقع ملموس.

أولى التوصيات المتعلقة باعتماد المشورة الشعبية لصياغة الدستور الدائم ، تبدو منطقية ومنسجمة مع الحاجة لبناء دستور توافقي ، إلا أنها تصطدم ببيئة سياسية منقسمة ، وغياب مؤسسات منتخبة يمكن أن تمنح هذه المشورة صفة الشرعية ، فالدستور ليس ورقة عمل ، بقدر ما هو عقد سياسي واجتماعي ، ولا يمكن أن يولد دون حدٍّ أدنى من الاستقرار والإجماع الوطني.

أما التوصيات الخاصة بتأسيس الآلية الوطنية لحقوق الإنسان وإصدار تشريعات لحمايتها ، فهي خطوة لطالما تأخرت ، لكنها في المقابل تواجه تحديًا أكبر كيف تُحمى الحقوق في ظل بيئة أمنية هشّة ، ونزاعات مسلحة ، وتجاوزات يومية يتعذر معها إنفاذ القانون ، التشريع مطلوب ، لكن تبقى آليات التنفيذ هي المعضلة الحقيقية.

وفي جانب النقابات ، جاء الحديث عن مراجعة قوانين العمل والنقابات بما يتسق مع الاتفاقيات الدولية ، ليضع اليد على جرحٍ ظل ينزف لسنوات ، السودان وقّع اتفاقيات مهمة لكنه لم ينجح في مواءمتها مع تشريعاته ، وهنا يبرز التحدي في رفع يد السياسة عن التنظيم النقابي ، وتمكين العمال من بناء جمعيات نقابية حرة وديمقراطية ، وهي عملية تحتاج إلى إرادة سياسية قبل أن تحتاج إلى نصوص قانونية.

أما التوصيات المتعلقة بتحديث القوانين وتعزيز التنسيق بين الأجهزة العدلية فهي ضرورة قصوى ، فتعقيدات الإجراءات وبطء العدالة وتضارب الاختصاصات يعد من أبرز أسباب اهتزاز ثقة المواطنين في النظام القانوني ، غير أن إصلاح هذا الخلل يتطلب إعادة هيكلة داخلية ومراجعة شاملة للمنظومة العدلية ، وليس مجرد تعديل تشريعي.

وكيل وزارة العدل أشار إلى أن الوزير مولانا محمد عبدالله درف وجّه باعتماد التوصيات كخطة عمل للوزارة ، وتشكيل لجنة لإنزالها أرض الواقع فور العودة لمقر الوزارة ، هذه خطوة إيجابية ، لكنها لا تكفي وحدها ، فاللجان لا تحل مشكلات إذا غابت الإرادة واستمر الضغط السياسي ، أو ظلت الأزمات الأمنية تحاصر الدولة وتحد من قدرتها على تطبيق القانون.

باختصار المؤتمر وضع خريطة طريق يمكن أن تُصلح ما انكسر ، لكن نجاحها مرهون ببيئة سياسية مستقرة ، وبإرادة جادة تترجم التوصيات إلى واقع لا إلى تقارير تُحفظ في الأدراج.

ونتمنى لوزارة العدل أن تستشرف مرحلة أكثر رسوخًا مع الدماء الجديدة التي ضُخّت في شرايينها ، وفي مقدمتها الوزير مولانا درف ، على أمل أن تُسهم هذه الروح المتجددة في تحويل ما خرج به المؤتمر من توصيات إلى خطوات عملية تعالج تراكمات السنوات وتفتح بابًا لإصلاح عدلي حقيقي…لنا عودة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.